حين نقل إلى زوجته فيروس الايدز القاتل!! أن يتحوّل الزوج من مصدر أمان وحماية إلى سبب لإنهاء حياة زوجته، ليس بالأمر الهيّن خاصة إذا ما تم ذلك بطريقة لا إرادية تشعر المرأة بأنها كانت ضحية خطأ ارتكبه زوجها في يوم من الأيام كلّفه حياته، لينهي أيضاً حياة زوجته بفيروس لا يرى بالعين المجردة، غير أنه كفيل بتدمير أسرة كاملة بعد وفاته.
«الإيدز»، تلك المفردة التي تبثّ الرعب في نفوس الناس على اختلاف فئاتهم العمرية والاجتماعية وغيرها، مرض ارتبط في أذهان الناس بأنه موت محتّم، ولكنه بطيء ربما يمتد سنوات طويلة تتخلّلها الكثير من الآلام.
«لها» زارت الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز، ووقفت وجها لوجه أمام نساء قدّر لهن الإصابة بذلك المرض عن طريق أزواجهن، غير أنهن استطعن التعايش معه والتوجه بمعاناتهن نحو الطريق الإيجابي، خصوصاً أنهن لم يصبن به نتيجة ممارسات غير شرعية، وإنما كانت العدوى في إطار العلاقة الزوجية...
قبل 14 عاماًأم راكان، البالغة من العمر 44 عاماً، أصيبت بفيروس الإيدز قبل نحو 14 عاماً عن طريق زوجها بعد ما يقارب تسعة أعوام من زواجهما الذي كان حصيلته ولدين وبنتاً، إلا أن صدمتها في تلقّي الخبر لم تستمر سوى أسبوع واحد فقط كونها قررت أن تكافح من أجل تربية أبنائها الثلاثة.
تقول: « تزوجت المرة الأولى في سن 13 عاماً، وعشت مع زوجي الأول قرابة أربعة أعوام أنجبت فيها بنتاً وولداً، غير أننا تطلقنا ومكثت في منزل عائلتي نحو ست سنوات، ولكنني واجهت ضغطاً من أفراد العائلة كي أتزوج من رجل تقدّم لخطبتي وفعلاً تم الزواج الثاني، وتركت ولديّ لزوجي الأول».
قدّر لها أن يكون زوجها الثاني مدمناً للمواد الكحولية وكثير الأسفار خاصة إلى دولة كينيا، ولأنها أنجبت منه أبناءها الثلاثة قررت تحمّل حياتها معه دون أن تدري أنه سيكون سبباً لإصابتها بفيروس نقص المناعة المكتسبة.
وبعد السنوات التسع الأولى من زواجها الثاني، انتكس زوجها وأصيب بارتفاع في درجة الحرارة مع سعال مستمر، وبقي على هذا الحال قرابة ثلاثة أشهر لم يستفد خلالها من أدوية المستشفيات بشيء. وشخّص الأطباء بعد ذلك إصابته بمرض الدرن «السل»، وفي غضون أربعة أشهر بدأ يفقد وزنه بشكل سريع ليتم اكتشاف إصابته بفيروس الإيدز.
الابتعاد عن معاشرتهاهنا، كان لزاماً استدعاء المخالطين له وإخضاعهم للفحوص أيضاً، وبالفعل أجريت للأبناء والزوجة تحاليل الدم وأظهرت النتائج سلامة الأولاد فيما أكدت إصابة الزوجة بالمرض.
تقول أم راكان: « فور علمي بأنني أحمل الفيروس طلبت منه أن لا يقترب مني مطلقاً، وبكيت كثيراً حينها خصوصاً وأن أكبر أبنائي لم يتجاوز السابعة من عمره في حين كان يبلغ ابني الأوسط من العمر ستة أعوام، وكانت ابنتي ذات ثلاث سنوات.وعندما كنت أصلّي تمسّك أحد أبنائي بطرف ثوبي فنظرت إلى زوجي وقلت له أرجوك لا تقترب مني مطلقاً فأبنائي ما زالوا بحاجة إليّ».
بعد أسبوع كامل أمضته أم راكان في البكاء والنحيب كانت تترقب فيه إصابتها بالمضاعفات المتوقع حدوثها نتيجة إصابتها بالإيدز، قررت الكفاح من أجل تربية أبنائها. وبعد نحو خمسة أشهر توفي زوجها تاركاً أمامها درباً مجهول النهاية، فهي لم تكن تعلم مدى قدرتها على التعايش مع المرض ومتى ستلحق بزوجها لتدع خلفها ثلاثة أيتام لا تعرف كيف سيعيشون. تقول: «خلال فترة حدادي على زوجي بدأت التواصل مع عدة معاهد لأخذ دورات تدريبية في الحاسب الآلي واللغة الإنكليزية كوني لم أكمل تعليمي بعد المرحلة الابتدائية، وبمجرد انتهائي من الحداد التحقت بالمعهد لإتمام تلك الدورات». وفور انتهائها من الدورات التدريبية، تقدمت أم راكان إلى وظيفة في مستوصف صغير، وبعد نحو عامين عرفت إدارة المستوصف بمرضها وتحدثت معها رئيسة القسم بأسلوب فظ كونها تعتقد أن هذا المرض سينتقل إلى الجميع بمجرد المخالطة، فأجبرت على الاستقالة.
واستطردت أم راكان: «بعد استقالتي كنت أرغب في توديع زميلاتي اللواتي رفضن حتى السلام عليّ خوفاً من انتقال العدوى، وهرعن إلى المختبر لإجراء فحوص كي يتأكدن من سلامتهن، وهو ما أثّر على نفسيتي بشكل كبير».
وبفضل قوة إرادتها لكسب الرزق والإنفاق على أبنائها، التحقت بوظيفة أخرى في أحد المستشفيات كموظفة استقبال، إلا أن الإدارة ضغطت عليها لتقديم استقالتها أيضاً بعد انكشاف أمر مرضها، وتكررت معاناتها في مستشفى آخر، إلا أن إحدى زميلاتها تقدمت باستقالتها أيضاً تضامناً معها.